لم يكد مجلس النواب المغربي يوافق بالإجماع، على تبني مشروعي قانونيين لترسيم حدوده البحرية وخلق منطقة اقتصادية جديدة داخلها، حتى دقت إسبانيا، عبر إعلامها وسياسييها، ناقوس الخطر من تبعات هذا القرار التي اعتبرت نفسها متضررة منه، وهو الأمر الذي كانت أحد أسبابه الثروة مهمة القابعة أسفل المياه الأطلسية الواقعة ما بين سواحل الأقاليم الجنوبية المغربية وجزر الكناري الإسبانية.
وصادق النواب على مشروع قانون رقم 37.17 بتغيير وتتميم الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.211 الصادر في 2 مارس 1973، المعينة بموجبه حدود المياه الإقليمية للمغرب، ومشروع قانون رقم 38.17 بتغيير وتتميم القانون رقم 1.81 المنشأة بموجبه منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية، وهو الأمر الذي أعاد عمليا رسم خارطة الحدود البحرية المغربية.
جبل تروبيك.. كنز المعادن الثمينة
على الرغم من أن مسألة ترسيم الحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا ظلت عالقة منذ عقود، وتشهد خلافات تطفو للعلن بين الفينة والأخرى، فإن اكتشافات الثروات البحرية والمعدنية والنفطية المحتملة بالحوض البحري، باتت تؤجج في السنوات الأخيرة اندفاع الطرفين إلى توسيع حدودهما البحرية.
وفي هذا الصدد، يمثل جبل تروبيك المكتشف كنزا مُغريًا لمن يصل إليه؛ إذ يحتوي على قرابة 2670 طنًّا من المواد الأرضية النادرة، مثل الكوبالت، والتيلوريوم، والباريوم، والنيكل، والفاناديوم، والليثيوم، وهي عناصر حيوية في صناعة الإلكترونيات، وتوربينات الرياح، والبطاريات، والألواح الشمسية.
وتقول بعض التقديرات إن جبل تروبيك، يختزن على الأقل ما يكفي من الكوبالت لتشغيل 277 مليون سيارة كهربائية، وما يكفي من التيلوريوم لبناء ألواح شمسية تولد أكثر من نصف الكهرباء في المملكة المتحدة.
على جانب آخر، لا تستطيع أيًٌ من البلدين في الوقت الحالي استغلال معادن جبل تروبيك على المدى القصير؛ نظرًا لعمقه الكبير وعدم تطور التكنولوجيا اللازمة لتعدين الجبال البحرية. مع ذلك فإن الوصول لذلك مسألة وقت فقط قبل أن تصبح حقيقة واقعة، كما يعتقد الباحثون؛ إذ هناك تسابق محموم بين الشركات الدولية العاملة في التنقيب للوصول إلى هذه التقنية.
وفي هذا السباق التقني تحرز اليابان تقدمًا ملحوظًا، وكانت أول دولة تجري تعدينًا تجريبيًّا في الجزء المائي قبالة سواحل أوكيناوا منذ 2017، لذلك ليس غريبًا أن المغرب اقتنى حديثًا سفينة يابانية للتنقيب البحري، بمبلغ يقدر بـ480 مليون درهم مغربية، حسب موقع «لوديسك».
بالإضافة إلى الثروات المعدنية في قاع المحيط، هناك أيضًا الثروات النفطية المحتمل وجودها في المنطقة البحرية المتوسطية والأطلسية، خاصة مع الاكتشافات المتوالية للشركة البريطانية «ساوند إنيرجي»، لخزانات نفطية بالمنطقة، مما سيجعل موضوع ترسيم الحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا قضية ساخنة في الأيام القادمة.
أصل خلاف ترسيم الحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا
يمكن لأي دولة ساحلية، وفق قانون البحار، إنشاء منطقة اقتصادية بحرية خالصة بطول 200 ميل؛ من أجل الاستكشاف واستغلال الموارد الطبيعية والمعدنية والأحفورية والبيولوجية، ويمكنها كذلك من توسيع جرفها القاري- قاع البحر وباطن الأرض البحرية- حتى 350 ميلًا.
ويرجع تاريخ القانون المغربي الذي وضع الحدود البحرية إلى عام 1981، ويشير فقط إلى 200 ميل من منطقته الاقتصادية الخالصة. الآن، وبعد التشريع الجديد، أصبح القانون المغربي ينص على «الحقوق السيادية والحصرية» على مسافة أقصاها 350 ميلًا بالنسبة للجرف القاري، وتشمل هذه الحقوق استكشاف قاع البحر وباطن أرضه واستغلال موارده المعدنية والأحفورية والبيولوجية الطبيعية.
وبهذه الطريقة، سيوسع المغرب منطقته البحرية الاقتصادية للجرف القاري إلى 350 ميلًا، على طول سواحله المتوسطية في الشمال، وسواحله الأطلسية في الغرب، حيث توجد هناك مياه جزر الكناري التابعة للسيادة الإسبانية، وهي المنطقة الأبرز التي تشهد خلافًا مع مدريد.
لكن مشكلة ترسيم الحدود البحرية بين إسبانيا والمغرب تكمن في تداخل الأرفف القارية بينهما، بسبب وجود مناطق تحت سيادة مدريد لكنها متاخمة لمساحة المغرب. على سبيل المثال تقع مدينتي سبتة ومليلية الساحليتين شمال المغرب، والجزر الجعفرية في البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى جزر الكناري القريبة من السواحل الأطلسية المغربية.
ومن ثمَّة إذا عدت إسبانيا تلك المناطق أرضًا إسبانية خالصة، على الرغم من ماضيها الاستعماري، فإن مدريد ستطالب بدورها كذلك في حقها في توسيع جرفها القاري إلى 350 ميلًا، في حين ليس هناك مساحة تكفي الطرفين لتوسيع جرفهم القاري بدون تداخل مياههما البحرية.
وفي هذا الإطار، يوضح الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، تاج الدين الحسيني، أن هناك قواعد عرفية فيما يتعلق بهذه الإشكالات التي قد تقع بين الدول، تتمثل في «التوصل إلى حلول المناصفة في المسافة الموجودة كحد أقصى للمنطقة الاقتصادية لكل منهما».
ويخضع ترسيم حدود المساحات البحرية للقانون الدولي، ممثلًا في لجنة أممية خاصة، تضطلع بمهمة تسوية نزاعات حدود المناطق البحرية الاقتصادية، وقد أرسلت مدريد طلبًا إليها لتوسيع مياهها – في المناطق ذات الخلفية الاستعمارية – منذ 2014، بينما اختارت الرباط طريق التشريع البرلماني لرسم حدودها البحرية، وعادة ما يجري حل مثل هذه الخلافات حول الحدود البحرية الاقتصادية للجرف القاري عن طريق الاتفاق المتبادل بين الدول المعنية، وهو ما يطمح إليه الاجتماع المغربي الإسباني المقبل.