تطوق قوات الأمن العمومي، منذ أشهر، المدخلين الأساسيين لدرب خليفة بمقاطعة ابن امسيك بالدار البيضاء، (مدخل حديقة الشباب سابقا ومنزل عكاشة، ومدخل تجزئة فال التسيير)، وتضرب حصارا على الساحة الصغيرة المقابلة للطريق السيار التي يطلق عليها سكان الحي “ميدان التحرير”، استباقا لمشروع انتفاضة جديدة تخرج الشباب والنساء والشيوخ عن “صوابهم”، بعد أن ضاقوا ذرعا من ممارسات سلطة محلية ترفع شعار “إحصاء جديد لكل قائد”.
لائحة “مشبوهين”
آخر حلقات الصراع بين السكان وممثليهم الجمعويين، حين عمد قائد الملحقة الإدارية 56 إلى إعداد لائحة تتضمن أسماء عدد من “المشتبه فيهم” وتوزيعها على السلطات الأمنية، لمنعهم من الاقتراب من الموكب الملكي خلال زيارته، للمقاطعة من أجل إعطاء إشارة الانطلاق الرسمي للحملة الوطنية السنوية للتضامن، وتدشين مركز المقاولات الصغرى التضامنية.
هذه اللائحة التي تسلمها رجال الأمن المكلفون بحراسة الموكب الملكي كان يمكن أن تشبه جميع اللوائح الأخرى التي تعد في مثل هذه المناسبات لاستباق عمليات التربص بالملك ومضايقته، قبل أن يكتشف أمنيون، يعرفون خبايا المنطقة، أن أسماء ضمنها القائد “لائحته الاحترازية”، هي نفسها أسماء ممثلين للسكان جلسوا معه حول الطاولة نفسها واختلفوا حول مقاربة إعادة إسكان درب خليفة الآيل للسقوط، حيث ولدوا وولد آباؤهم وأمـــــــهاتهم منذ أكثر من 70 سنة.
عدد كبير من السكان اعتبروا أن هذه “الحركة” لا تليق برجل سلطة عين بالمنطقة لتوفير الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين والحفاظ على أمنهم وسلامتهم، لا إثارة الفتن و”النعرات” الفارغة التي قد تؤدي في أي لحظة إلى اشتعال المكان، كما وقع في مرات سابقة، وتسبب في تنقيلات عقابية لمسؤولين سابقين توهموا، خطأ، أنهم أسياد الزمان والمكان، قبل أن تأتي “كراطة” الإعفاء لتثبت العكس.
هذا الفصل الجديد في الصراع بين السكان والسلطة المحلية، تحول بسرعة إلى موضوع تقارير رفعت إلى الجهات المعنية، خصوصا بعد التحرك الذي قام به عدد من النشطاء الجمعويين الذين تشبثوا بحقهم في مقاضاة قائد الملحقة الإدارية.
وخيمت تجاوزات وخروقات القائد والسلطة المحلية على أشغال الدورة العادية لمقاطعة ابن امسيك، إذ طالب ممثلو السكان رئيس المقاطعة بالتحرك لدى عامل العمالة ووالي الجهة ووزارة الداخلية من أجل فتح تحقيق إداري وآخر قضائي ضد المسؤولين عن إفشال مشروع ترحيل قاطني درب خليفة، والتلاعب في نتائج الإحصاءين السابقين (2001/2010)، ووضع إحصاء جديد بأسماء وسكان جدد لتسهيل استفادتهم دون وجه حق.
فما الذي وقع بالضبط حتى تنهار جسور الثقة بين السكان والسلطة المحلية على هذا النحو؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا التأخير في تنزيل مشروع كانت تتوفر له جميع شروط النجاح (إحصاء جيد، أرض، مقاولون، ودعم مالي..) قبل أن يتحول إلى كابوس، أو قنبلة موقوتة لا أحد يتكهن أيت تصل شظاياها؟
حكاية “حفرة”
يعد حي خليفة (بتسكين الخاء) من الأحياء القديمة بالدار البيضاء، شيد، على فترات خلال عقدي الستينات والسبعينات، فوق أرض تقول بعض الحكايات إنها تعود ملكيتها إلى عائلة عكاشة، من أجل استيعاب عدد من السكان والأسر المهاجرة التي كانت تستغل في مقالع الأحجار. ورويدا، تحول المجمع السكاني الصغير إلى حي سكني بمواصفات خاصة في شكل منازل واطئة بطابق سفلي فقط ولا يسمح بالبناء فوقه.
لكن المعضلة التي واجهها السكان على مدى سنوات وواجهوها بصبر قل نظيره، تتمثل في تحول حيهم إلى بركة كبيرة من الماء كلما جادت السماء ببعض القطرات، كما يوجد الحي مباشرة في مواجهة تدفقات المياه القادمة من الأحياء المجاورة مثل كاليوجيرا والحسنية التي تغمر منازلهم كلما فاضت عن “الحاجة”.
هذه المعاناة تحملتها مئات الأسر أكثر من 60 سنة، دون أن تقطع حبل الأمل في حياة أفضل بدأت ملامحها تظهر مع نهاية تسعينات القرن الماضي، حين أدرج الحي ضمن لائحة الأحياء الآيلة للسقوط وصدر قرار رسمي بضرورة ترحيل قاطنيه إلى مساكن وشقق جديدة وعهد لشركة إدماج السكن بتنفيذ المشروع، فبادرت إلى اقتناء قطعة أرض من إدارة الأملاك المخزنية دفع ثمنها من خزينة الدولة من أجل إعادة إسكان جميع القاطنين المدرجين في إحصاء 2001.
هذا الإحصاء، الذي زكاه إحصاء 2010، والمعد من قبل القائد السابق للملحقة الإدارية 56 حصر عدد المنازل في 189 منزلا تقطنها 680 أسرة، موزعة على الملاكين القاطنين، أو ملاكي الزينة (272 أسرة) والمكترين (408 أسرة).
وكان من المفروض أن يشكل هذا الإحصاء القاعدة التي تبنى عليها عملية إعادة الإسكان، لكن مشيئة التلاعب والإفساد قضت بأن تخضع الأرقام والمعطيات إلى عملية تغيير فاضحة، بعيدا عن عيون السكان وممثليهم، انتقل بموجبها العدد الإجمالي للسكان إلى أكثر من 700 عائلة موزعة على المكترون (416 أسرة) و الملاكين القاطنين وغير القاطنين (289 أسرة)، علما أن “الإضافات الجديدة” لم تشمل العائلات المركبة والتعدد الأسري، إذ مازال العديد من المقصيين يطالبون بالاستفادة، ما قد يضاعف عدد المستفيدين إلى الضعف.
في غفلة من السكان والقائد والإحصاء، دخلت على الخط إحدى الشركات الخاصة للبناء، بعد انسحاب شركة إدماج السكن في ظروف غامضة، إذ تكلفت بتشييد مشروع سكني ضخم، فوق القطعة الأرضية نفسها، مع تخصيص جزء من الشقق لإعادة إسكان جزء من سكان الحي، مقابل 10 ملايين درهم.
ســوق الـريــع
رغم الملاحظات المسجلة على المشروع السكني القريب، ساهم في حل جزء من المشكل باستيعاب أكثر من 350 أسرة، بينما مازال الجزء الأساسي منه معلقا بل زاد تعقيدا، بعد أن وصل عدد السكان الذين من “المفروض” أن يحصلوا على شقق جديدة إلى 760 أسرة ومستفيد، بعضهم من المترددين على الحي ولم يسبق لهم الإقامة الفعلية والمستمرة منذ زواجهم، أو كانت إقامتهم قصيرة، أو هؤلاء الذين عادوا إليه بعد سنوات من الرحيل، بعد أن تناهى إليهم خبر توزيع الشقق، كما استفاد، أيضا، صاحب منزل مخرب ومهجور غير قابل للسكن منذ سنوات.
في المقابل، مارس الإحصاء الجديد عمليات قيصرية لاستئصال وضعيات بعينها، رغم وجود ما يشبهها في اللائحة نفسها، مثل المطلقات بأبناء والعازبين والتلاعب بالتنازلات، لتمكين بعض الأشخاص من أكثر من استفادة، كما هو حال شخص استفاد بالدروة من مشروع لإعادة الإسكان، وتنازل لابنته على الاستفادة بدرب الخليفة، بمعنى أنه استفاد مرتين من مشروع للدولة. هذه الخروقات والتجاوزات لم تعد حبيسة الملفات والأدراج بمقر الملحقة، بل تحولت إلى موضوع احتجاجات وتذمر يومي من قبل السكان الذين طرقوا جميع الأبواب تقريبا من أجل حق دستوري، حوله البعض إلى بضاعة رخيصة في سوق الريع والمحسوبية والفساد.