يعد مسجد الكُتبية في مراكش، من أعرق المساجد المغربيَّة الموجودة الآن، إذ بُنيَ سنة 1147م على أنقاض أحد القصور المرابطية القديمة. وتبلغ مساحته 5300 متر مربع، ويتكوَّن من 17 جناحًا، و11 قبة مزدانة بالنقوش، ويظهر فيه بوضوح طابع العمارة الأندلسي. وأثناء الاحتلال الفرنسي للمغرب، تم تطوير شبكة الطرق، واعتبر المسجد نقطة مركزية لالتقاء الطرق في المدينة.
في الغرب والجنوب من المسجد، توجد حديقةُ زهورٍ بارزة، وقريباً منه يوجد متحف يوسف بن تاشفين، مُؤسّس مدينة مراكش، ويحتوي على ضريح بسيط له. وفي ساحة مسجد الكتبية، يمكن رؤية بقايا المسجد القديم. ومئذنة المسجد هي إحدى المعالم البارزة في مراكش. واسم المسجد مأخوذ من بيع الكتب، إذ كان هناك سوق كبير وشهير لبيع الكتب في منطقة المسجد.
كان قد سيطر على مدينة مراكش الموحدون بعد وفاة زعيم المرابطين، علي بن يوسف، عام 1147. وكان الموحدون لا يرغبون في بقاء أي أثر من الآثار الدينية التي بناها المرابطون بسبب العداوة الشديدة بينهم. ولأنهم يعتقدون بأن المرابطين من الزنادقة المارقين عن الدين، لذا كان الخليفة عبد المؤمن بن علي الكومي، الذي ظفر بالإقليم، هو المسؤول عن بناء مسجد الكتبية على أرض القصر الذي كان يقطنه في السابق علي بن يوسف في الربع الجنوبي الغربي من المدينة.
وهكذا بني المسجد الذي كان أوَّل مسجد يقيمه الموحدون عام 1147، وانتهى بناؤه تماماً في عام 1157. وفي عهد الخليفة الموحدي، يعقوب المنصور، أُعيد بناء المسجد بعد اكتشاف أن محراب المسجد منحرف عن اتجاه القبلة الأصلية بمكة المكرمة. وخضع المسجد لتغييرات كثيرة حتى نهاية القرن الثاني عشر.
عندما هزم الأندلسيون الدولة الموحدية، كانت مشكلة انحراف القبلة بالنسبة إليهم مسألة ثانوية، على أساس أن المصلين يمكنهم دائماً ضبط اتجاه صلاتهم عندما يقيمون الصلاة في ساحة المسجد. ولكن الأندلسيين اتخذوا قراراً ببناء مسجد جديد بمحاذاة هيكل المسجد الأول. وتم إكمال المسجد الأول في الوقت نفسه الذي كان يجري فيه بناء المسجد الثاني.
جاء المسجد الثاني مطابقاً للمسجد الأول، ما عدا اتجاهاته، لكن التصميم المعماري والنقوش والأبعاد والمواد المستخدمة كانت هي نفسها، كما بقيت المئذنة والتصميم نفسه في المبنيين. لكن بينما كان المسجد الأول يتجه خمس درجات بعيداً عن اتجاه القبلة، جاء المسجد الثاني خارجاً عن اتجاه مكة بعشر درجات، أي ضعف الانحراف الذي كان في الأول.
المسجد مبني في معظمه بالحجر الأحمر، وعرضه 80 متراً نحو الشرق و60 متراً نحو الغرب، وله ستة غرف متتالية الواحدة فوق الأخرى، حتى يمنع أي أحد يحاول التحديق إلى حريم الملك. وحتى يومنا هذا، لا تزال تلك القيود على الزائرين مستمرة، حتى أن الوصول إلى برنامج “غوغل إيرث” لمشاهدة هذه المنطقة ممنوع على المغاربة.
وللمسجد مئذنة واحدة، يبلغ طولها 77 متراً، وتاريخياً كانت هذه المئذنة المميزة بزخارفها بمثابة المنبر لإعلان القرارات المهمة على الناس، وخصوصاً القرارات السياسية الكبرى والفرمانات الأساسيَّة. كما كانت ساحته ملتقى للعديد من الأحداث التاريخية، وعقدت فيه الكثير من الاتفاقيّات.