في الأعالي تبلغ متعة السفر ذروتها
إمليل (ضواحي مراكش): عبد الكبير الميناوي
خلال الأسبوع الأول من يناير (كانون الثاني)، رفع فريق عربي من هواة تسلق الجبال علم فلسطين على قمة جبل «توبقال»، تعبيراً عن احتجاجهم على القصف الإسرائيلي لغزة.
وإذا كان العمل الذي قام به هذا الفريق العربي، المكون من المصري، عمر سمرة، الذي سبق له الوصول إلى قمة «إيفرست» (8850 مترا)، والمغربي ناصر بن عبد الجليل، واللبناني خيري سماقية، يمثل شكلا، من بين أشكال عديدة، للتعبير عن التضامن أو الاحتجاج، فإن هذه النقطة الجغرافية من أرض المغرب، التي رفع فيها الشبان الثلاثة العلم الفلسطيني، ظلت على الدوام قبلة لهواة تسلق الجبال ومتعة الاكتشاف والسفر، من مختلف بقاع العالم.
فريق عربي من هواة تسلق الجبال، يرفع علم فلسطين على قمة جبل «توبقال» («الشرق الأوسط»)
وتعتبر قمة جبل «توبقال»، الذي يقع على بعد نحو 60 كيلومترا إلى الجنوب من مدينة مراكش، ويبلغ ارتفاعه 4165 مترا، الأعلى في شمال إفريقيا والعالم العربي، والثانية في إفريقيا، بعد قمة جبل «كلمنجارو»، في تنزانيا، والتي يبلغ ارتفاعها 5895 مترا.
ويمكن القول بأن التنوع الذي توفره وجهات سياحية مغربية، من قبيل قمة جبل «توبقال» وصحراء «مرزوكة»، وشواطئ أكادير، وساحات مراكش، وأسوار مكناس، ومدارس فاس، يلخص ويقدم لكثير من مصادر القوة والتنوع التي تميز الجغرافية المغربية. فإذا كان الجنوب غارقا في واحاته وقصوره وكثبانه الرملية الساخنة، فإن الشمال ينقسم إلى فصلين، الأول جاف يمتد من مايو (أيار) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، والثاني معتدل ورطب يمتد من بداية أكتوبر (تشرين الأول) إلى نهاية أبريل (نيسان). أما الغطاء النباتي فيغلب عليه الطابع المتوسطي، حيث تعرف المناطق الجبلية نمو أشجار العرعار والبلوط والأرز ونباتات جبلية أخرى، فيما تعرف السهول نمو أشجار الزيتون والبرتقال والأركَان، لتبقى الواحات، بالمناطق الجنوبية، مكاناً مثالياً لنمو النخيل.
وتنقسم خريطة الجبال بالمغرب إلى عنوانين رئيسيين، ففي الشمال تمتد سلسلة جبال الريف، من المحيط الأطلسي غرباً إلى ملوية السفلى شرقاً، وهي تشرف على البحر الأبيض المتوسط، وتبلغ أعلى قمة فيها 2456 مترا، عند جبل «تدغين». أما العنوان الثاني، فهو جبال الأطلس، وهي سلسلة تقترح على المغرمين بالسياحة الجبلية رياضات تتراوح بين تسلق الجبال والتزحلق على الجليد، وتتوزع إلى أطلس متوسط وصغير وكبير.
جبل «توبقال»، قبلة هواة تسلق المرتفعات وعشاق متعة الاكتشاف والسفر (تصوير : سعيد كوكاز)
ويمتد الأطلس الكبير من أكادير، على المحيط الأطلسي، في اتجاه الشمال الشرقي، وأعلى قممه جبل «توبقال»، فيما تعتبر قمتا جبل «بويبلان» (3190 مترا) وجبل «بوناصر» (3326 مترا) أعلى قمم الأطلس المتوسط، الذي تكثر به البحيرات الجبلية والشلالات، مثل شلالات أوزود الشهيرة. وهو يمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، ويقترب من سلسلة جبال الريف شرقاً، عند ممر تازة.
ويعتبر الأطلس المتوسط خزاناً مهماً للمياه بالنسبة للمغرب، حيث تنبع منه معظم الأنهار المهمة في البلاد، وأشهرها نهر أم الربيع.
ويمتد الأطلس الصغير، أو الأطلس الصحراوي، جنوب الأطلس الكبير، وينفتح بسفوحه على سهلي وادي درعة ووادي سوس، وأعلى قممه جبل «سيروا» (3304 أمتار).
وإلى المياه، تختزن سلسلة جبال الأطلس معادن كثيرة، أهمها الذهب والفضة والزنك والرصاص والحديد والماغنسيوم، ويشكل الأمازيغ أغلبية السكان.
وعلى المستوى السياحي، تتميز سلسلة جبال الأطلس، وخاصة الكبير والمتوسط، بالإغراء الذي تمارسه على هواة التسلق والتزحلق على الجليد والمغامرة. ويشبه البعض جبال الأطلس، حين تكسو قممها الثلوج، في الشتاء والربيع، برجال يرتدون جلابيب داكنة، ويعتمرون عمامات بيضاء.
وإذا كانت زيارة المدن، مثل فاس ومراكش ومكناس وطنجة، تمنح زوارها متعة التعرف على حضارة مغرقة في التاريخ، عبر مدارس وجوامع وقصور وساحات وأسواق عتيقة، فإن السياحة الجبلية تجعل السفر مرتبطاً بمتعة الاكتشاف والاقتراب من السكان والتعرف على عاداتهم وتقاليدهم، وهي أشياء تنقل الزائر إلى عوالم مغايرة من جهة التعرف على نمط العيش واكتشاف الغنى الثقافي الذي يحتفظ للمنطقة بقدرة جميلة على مقاومة برودة الحداثة والتشبث بدفء الموروث الحضاري.
ونظراً لنمط عيش سكان هذه المناطق الجبلية، الغارقة في بساطتها، يبدو الزمن كما لو أنه ما زال حبيس الجبال والمرتفعات. وأدى النشاط السياحي، الذي تعرفه المناطق الجبلية، إلى بروز أنشطة مرافقة له بين السكان، حيث أحدث العديد من المقاهي والمحلات التجارية والمطاعم والفنادق والمآوي السياحية، التي يجد فيها السائح أفضل مكان للاستراحة واسترجاع الأنفاس، قبل مواصلة الرحلة نحو القمة، حيث تصل متعة السفر والاكتشاف ذروتها.
وتتميز الفنادق التي ينزل فيها السياح، بكونها متكيفة مع محيطها، من دون إسراف واضح، من طرف مالكيها، في وضع النجوم على بواباتها.
وحيث إن المغرب هو بلد سياحي، يتفق الجميع على أنه يقدم الدهشة للسائح، فإن القرى، التي توجد على طريق المرتفعات، تقترح برامج استقبال، يستطيع من خلالها السائح أن يقضي ليلته بين السكان، يقاسمهم وجبة العشاء، ويضعون رهن إشارته أفرشة وأغطية تقليدية بسيطة لقضاء ليلته. وهكذا، وعلى عكس الفنادق الفاخرة التي تقدم وجباتها مرفقة بالشوكة والسكين، يفتخر أصحاب هذه الفنادق والمآوي والمطاعم الشعبية بتقديم خدماتهم على الطريقة المغربية التقليدية، الأصيلة والبسيطة.
ومن بين عشرات القرى والمحطات الجبلية، يمكن اعتبار قرية «إمليل»، مثالا لهذا التنوع الذي ينقل الزائر من عالم إلى آخر، حيث يجد السائح، القادم من جهة مراكش، نفسه، على بعد 50 كيلومترا من نخيل وحمرة هذه المدينة الساحرة، والسير بين الطبيعة الخلابة النائمة بين جبال الأطلس، يقترب، شيئاً فشيئاً، من بياض القمم، ليتعرف على قرى تلتصق ما بين السفح والقمم، حيث الماعز والبغال والأشجار وعيون الماء تتآلف مع نمط حياة وتفكير سكان يضبطون إيقاع أيامهم براحة بال وقناعة قلَّ نظيرهما.
وتوجد «إمليل» في الطريق إلى قمة «توبقال»، وتتوقف بها سيارات عشاق المغامرة وتسلق الجبال، ويجد بعضهم ضالتهم في بغال تنقلهم عبر الطرق الوعرة بالمرتفعات.
ولا تقف خدمات سكان المنطقة عند حدود فتح المقاهي والمحلات التجارية والمطاعم والفنادق والمآوي السياحية، بل يعرض العارفون منهم بخبايا المرتفعات، خدماتهم على السياح، لنقلهم ومرافقتهم نحو المرتفعات، راجلين، أو على دوابهم، التي باتت تحفظ الطريق عن ظهر قلب.
ويمكن صعود جبل «توبقال»، وصولا إلى قمته، في يوم واحد، بالنسبة للمحترفين، ممن امتلكوا البنية الجسدية اللازمة. ويستحسن، خلال فصل الشتاء، أن يكون هناك دليل ومرافق من بين أهل المنطقة، نظراً للمخاطر التي يمكن مصادفتها.
ويقول لحسن آيت إيدر، وهو مرشد سياحي جبلي، ونائب رئيس جمعية المرشدين الجبليين بإمليل، جواباً عن سؤال لـ«الشرق الأوسط»، يتعلق بالمقارنة بين درجة الإقبال على السياحة الجبلية بين المغاربة والأجانب، إن «المغاربة صاروا يقبلون بدورهم على السياحة في الجبال والمنتجعات»، إلا أنه استطرد قائلا «يكتفي المغاربة، في الغالب، بالمحطات الشتوية المعروفة، مثل أوكايمدن وميشليفن، في الوقت الذي ينوع فيه السياح الأجانب من إقبالهم على مختلف الرياضات التي توفرها جبال ومنتجعات المغرب، في مختلف فصول السنة».
وبصدد سؤال، يتعلق بالمتطلبات المادية للسفر والمقارنة بين من يقصد المدن والشواطئ ومن يقصد الجبال والمحطات الشتوية، يوضح آيت إيدر «إن السياحة الجبلية أرخص مقارنة بسياحة المدن، حيث الفنادق والمطاعم الفاخرة، فالسائح الذي يقبل بالطبيعة ويخالط سكان القرى والدواوير الجبلية ويسكن معهم أو ينزل بالفنادق الصغيرة لا يتطلب منه ذلك الكثير من المال، لكنه يحتاج، في نفس الوقت، إلى بعض المعدات التي يتطلبها تسلق الجبال أو التزلج على الجليد».
وتنشط في مدينة مراكش، وخاصة في ممر البرانس، القريب من ساحة جامع الفنا، وكالات متخصصة في نقل السياح في مجموعات إلى وجهاتهم السياحية المرغوب فيها، والتي نجد بينها وجهة جبل «توبقال»، وتمتد ليالي المبيت والسفر بين يوم وأربعة أيام، وتتراوح الأسعار بين 300 درهم و1500 درهم (الدولار يساوي 8.4 درهم) للفرد الواحد، وهي أسعار يدخل فيها عامل الوجهة والمسافة وعدد الليالي.