ارتبط اسمها بأحداث وفضائح ومحاكمات ومسؤولوها يبذلون مجهودا لتغيير الصورة والعمل بقرب المواطنين
تشكل مقاطعة سباتة حالة فريدة في أكبر مدن المغرب، إذ رغم حداثة نشأتها ومساحتها الصغيرة نسبيا، مقارنة مع مقاطعات أخرى، فإنها تحفر عميقا في ذاكرة البيضاء، باعتبارها حاضنة أعرق الأحياء والأسماء والشخصيات، كما ارتبط اسمها بأحداث هزت المدينة، إيجابا أو سلبا، من خلال توالي محاكمات وفضائح، آخرها تورط النائب الرابع للرئيس في جريمة قتل بشعة ذهب ضحيتها برلماني أرداه جثة هامدة بواسطة بندقية صيد باتفاق مسبق مع زوجة الضحية.
تؤرخ سباتة لسلسلة من التحولات والوقائع الاجتماعية، كما ارتبطت أحياؤها وأزقتها وأسماء شوارعها بفنانين وأدباء ورياضيين بصيت عالمي، ومجموعة من المقاومين الذين بصموا بحضورهم وعملها النضالي تاريخ المغرب الحديث.
الراجح أن تسمية المقاطعة الواعدة تستمد أصولها من اسم عائلة السبتي، التي جاءت إليها مهاجرة من شمال المغرب بهدف البحث عن رغد العيش، لتتربع فيما بعد على عرش الحرفيين والمتخصصين في أشغال البناء.
وساهمت هذه العائلة في تشييد الكثير من أبنية سباتة ودورها .من الناحية الإدارية. تعد مقاطعة سباتة بصيغتها الحالية امتدادا لجماعة ابن مسيك التي أحدثت بتاريخ 10 يونيو 1983، وكانت مساحتها تبلغ آنذاك 3,8 كيلومترات مربعة، ثم خضعت بعد ذلك بفعل التحولات الإدارية والجغرافية لعدة تقطيعات ترابية، وانبثقت عنها في 1992 جماعة سباتة.
تقسيم جديد
قسمت جماعة سباتة في 1997 إلى جماعتي سباتة والسالمية، ليتم دمجهما من جديد خلال التقسيم الإداري لـ 2003 تحت اسم مقاطعة سباتة. وإبان التقسيم الإداري لـ2009، عرفت مقاطعة سباتة اقتطاع جزء هام من ترابها لصالح جماعة الهراويين نتيجة إنشاء الطريق السيار الرابط بين الجديدة والرباط.
وتتموقع سباتة في حيز جغرافي استراتيجي وسط المدينة، إذ تحدها شمالا مقاطعة ابن امسيك وجنوبا الطريق السيار الجنوبي وشرقا مقاطعة سيدي عثمان وغربا مقاطعة عين الشق. وتقع المقاطعة على مساحة 4.57 كيلومترات، يقطنها 116 ألفا 255 نسمة (إحصائيات 2014)، موزعين على 26.210 أسرة، وكثافة سكانية بـ25421/ كيلومتر تقطن أحياء شهيرة في ذاكرة البيضاويين، مثل السالمية1 والسالمية2 وجميلة من واحد إلى سبعة والنصر والوحدة ودرب الدوام ودرب الحجر وفريحة والهدى وحي خالد وحي لعلو وحي الأندلس.
رؤساء وجدل
تشكل مقاطعة سباتة واحدة من المقاطعات الست عشرة المكونة لجماعة البيضاء. ويعد مجلس المقاطعة امتدادا لفلسفة الجماعات ذات نظام المقاطعات، كما تبناها قانون الميثاق الجماعي 78.00، واستلهمها بعد ذلك القانون التنظيمي الجديد للجماعات رقم 113.14.
وبعد اعتماد نظام المقاطعات ابتداء من الولاية الجماعية 2003-2009، تولى الرئاسة كريم غلاب، القيادي والوزير الاستقلالي الأسبق، ثم تسلم الولاية الثانية بين 2009-2015 رضوان المسعودي، الذي تأرجح بين عدد من الأحزاب آخرها التقدم والاشتراكية وذكر اسمه في ملف محاكمات سوق الجملة للخضر والفواكه وعزل بسببه في 2014، ثم تولى الرئاسة حسن عزيز، العضو في التجمع للأحرار الذي قاد المقاطعة حتى الانتخابات الماضية. أما الولاية الثالثة التي تمتد إلى 2020 فيتولى رئاستها سعيد كشاني، العضو في العدالة والتنمية.
ولاية بطموح
وقال سعيد كشاني منذ بداية ولاية المجلس الحالي لمقاطعة سباتة (أكتوبر 2015) إن تعميق التواصل مع سكان المقاطعة هو أحد الرهانات التي ينبغي العمل لتحقيقها وتجسيدها على أرض الواقع.
وأكد الرئيس أن المقاطعة نهجت، منذ بداية الولاية الحالية، سياسة الباب المفتوح والانفتاح على جميع المكونات الموجودة بها، “مع الحرص أن تكون استقبالاتنا للمواطنين دائمة سواء داخل مقر المقاطعة أو خارجه، واجتهدنا في استعمال الوسائل التقنية الحديثة للإخبار عن أنشطتنا”.
وأوضح أن الالتزام الأخلاقي والسياسي والمدني “يفرض علينا الاستمرار في خدمة سكان منطقة متميزة بمبادرة أبنائها وبمواهب شبابها وبعطاءات جمعياتها، في أفق تحقيق الأفضل والأجود لمنطقتنا، آملين أن تؤسس هذه المبادرة لعلاقة إيجابية بين الناخبين والمنتخبين”.
ودافع أعضاء من مجلس المقاطعة، خلال دورة عرض حصيلة ثلاث سنوات، على الولاية الثالثة التي تستمد ميزتها من أنها حاملة للرغبة الجماعية في إخراج سباتة من دائرة النسيان والإسهام الجاد في كسب رهان التغيير والعزيمة الأكيدة في الانخراط في أوراش التنمية، إذ يتعاون الجميع، منتخبين وموظفين وسلطات محلية ومصالح خارجية لخدمة السكان.
تدارك العجز
وعرفت البنيات التحتية، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تطورا ملحوظا في عدد من القطاعات ذات الصلة، مثل الترصيف الذي انتقل من 27 ألفا و400 متر مربع (رصد له 498 مليون سنتيم) إلى 36 ألفا و100 متر مربع في 2017 بغلاف مالي وصل إلى 610 ملايين سنتيم تقريبا، ثم انخفض إلى 36 ألف متر مربع في 2018 بمبلغ 513 مليون سنتيم.
وأنجزت المقاطعة، بالنسبة إلى أشغال تبليط الشوارع والأزقة، حوالي 6 آلاف متر مربع من التزفيت وألف متر مربع من المثبطات بغلاف مالي وصل إلى 173 مليون سنتيم، وانجزت في السنة الموالية شطرا ثانيا من 8 آلاف متر مرع من التزفيت وألف متر مربع من المثبطات بمبلغ قارب 86 مليون سنتيم، ثم شطرا ثالثا في 2018 بلغ 5 آلاف من التزفيت ب67 مليون سنتيم، فيما تكلف مجلس المدينة بإنجاز 5 آلاف متر مربع من المثبطات في السنة نفسها.
وبالنسبة إلى الحدائق، انتهت المقاطعة من تهيئة حوالي 30 ألفا و400 متر مربع من الممرات الخلفية، مقسمة على 3 آلاف متر مربع في 2017 بمبلغ 70.6 مليون سنتيم تقريبا، و27 ألفا و400 متر مربع في 2018 بغلاف مالي تجاوز 865 مليون مليون سنتيم.
ملاعب للقرب
بالموازاة، انجزت المقاطعة الجزء الأهم من تهيئة الساحات والحدائق الصغرى بين 2016 و2018، إذ وصلت مساحات الساحات الخضراء 300 متر مربع بوادي الذهب بمبلغ 98 مليون سنتيم وزرع 800 شجرة في 2018 على مساحة 3 آلاف متر مربع بغلاف ب147 مليون سنتيم.
وفي إطار تعزيز البنيات التحتية، هيأت المقاطعة 6 ملاعب وإحداث 4 ملاعب بحديقة صنداي وملعب للكرة الحديدية، كما عقد مجلس المقاطعة شراكات مع المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية للاستفادة من ملاعب المدارس لفائدة السكان وإحداث فضاءات للمعدات الرياضية في الهواء الطلق وملاعب للترفيه بالنسبة إلى الأطفال.
نظام رخص
طورت المقاطعة نظاما لتسهيل حصول المواطنين على الرخص والوثائق الإدارية دون ابتزاز أو طلب رشوة، أو تأخر، عبر الزيادة في عدد الموظفين وتجهيز مكاتب المصالح الإدارية، خصوصا مصالح الحالة المدنية والملحقات، وحث المستشارين على الحضور اليومي للإشراف والمتابعة.
ووصل عدد الرخص الممنوحة إلى طالبيها في مختلف القطاعات إلى العشرات في ستة أشهر الأخيرة، بعد انخراط المقاطعة في مسلسل تحسين جودة الخدمات وانخراطها في رقمنة هذه الخدمات، على غرار باقي المقاطعات الأخرى، باعتماد المنصة التفاعلية “رخص.ما”، بهدف تبسيط المساطر وتحسين مناخ الأعمال عبر التدبير اللامادي للخدمات الإدارية، ما يتيح تحكما عقلانيا في المواعد، سواء خلال إيداع الملفات أو دراستها، أو تسليم الرخص النهائية.
دعم اجتماعي
تغطي المقاطعة جميع الاختصاصات الموكولة إليها في القانون التنظيمي للجماعات المحلية، باعتبارها وحدة ترابية لا تتمتع بالاستقلال المالي والإداري. وفي هذا الإطار، حرص الأعضاء على تسطير عدد من الأنشطة ذات البعد الاجتماعي، مثل تقديم المساعدات إلى السكان الفقراء والمحتاجين في شكل حملات منتظمة للإعذار (250 مستفيدا في نصف الولاية) وتوزيع الكراسي المتحركة على الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة (أكثر من 300 مستفيد)، وتوزيع القفة الرمضانية وتنظيم مخيمات حضرية (أكثر من 300 مستفيد)، إضافة إلى المساعدات المباشرة.
بالموازاة، نظمت المقاطعة، في إطار التنشيط المحلي، عددا من الأنشطة الثقافية والتربوية والرياضية في شكل تظاهرات ومهرجانات استفاد منها عدد كبير من المواطنين بمختلف فئاتهم، وبرمجت على هامشها مسابقات وتظاهرات وزعت في نهايتها جوائز تشجيعية، خصوصا تلك المتعلقة بالتشجيع على القراءة والبحث والاختراع.
أولوية حفظ الصحة
يضطلع مكتب حفظ الصحة التابع للمقاطعة بمجموعة من المهام والخدمات تتعلق بإجراءات الوقاية وحفظ الصحة العامة وحماية البيئة. ومن ضمن هذه المهام، مراقبة المواد الغذائية المعروضة للعموم ومراقبة جميع المحلات والمؤسسات والفضاءات الموجودة بالمنطقة، التي يستعملها العموم وكذا الأماكن المخصصة لاستهلاك مواد غذائية كالمطاعم والمقشدات ومراقبة الماء الشروب والقيام بحملات للتطهير كمحاربة الحشرات الضارة والفئران ومحاربة داء السعار والكلاب الضالة، إضافة إلى مراقبة ومعاينة حالات الوفاة وتدبير المستودع البلدي للأموات.
شعار والتزامات
يحتل موظفو المقاطعة وملحقاتها الإدارية ومرافقها عصب التنمية والعمل المواظب قرب المواطنين، لذلك رفع الأعضاء المنتخبون الجدد منذ البداية شعارا يتفرع إلى عدد من العناوين، منها دعم التكوين المستمر حسب التخصص والتحفيز المادي والمعنوي للمجدين وتهييء الظروف المادية المناسبة للاشتغال، واعتماد مبادئ الحكامة والشفافية وتكافؤ الفرص في الترشيح لمناصب المسؤولية.
وفي هذا الإطار اعتمدت الجماعة هيكلة موحدة لمختلف الأقسام ومصالح المقاطعة ودعم هذه المصالح بالموارد البشرية اللازمة.
في المقابل، يلتزم المجلس المنتخب بحصول المواطنين على الوثائق والرخص في وقت مناسب، وتمكينهم من خدمات حفظ الصحة وتنظيم الاستفادة من الأدوية وحملات الإعذار، ومعاينة الوفيات ومراقبة المحلات التجارية.
ويلتزم المجلس أيضا بحضور يومي في الاستقبال والاستماع إلى الشكايات والتظلمات ومعالجتها في أسرع وقت، وتمكينه, في حدود الإمكانيات، من سيارات الإسعاف وحافلات الخدمات الاجتماعية وخيام المآتم.
تسيير بمنطق “تنكافت”
أكد عادل الساحلي، فاعل جمعوي بعمالة مقاطعات ابن امسيك، أن الأغلبية المسيرة لمقاطعة اسباتة بقيادة العدالة والتنمية فشلت في تدبير أولويات المقاطعة، موضحا، في تصريح لـ”الصباح” أن المجلس يعتمد منطق “تنكافت” للترويج لما يسمى الأوراش المفتوحة بالمقاطعة، علما أن عددا من المشاريع كانت مبرمجة في عهد المجالس السابقة.
وقال الساحلي إن المشاريع المبرمجة في هذه الولاية لا تستجيب لتطلعات سكان المناطق التي تعاني حيفا كبيرا، سواء من البنيات التحتية الطرقية، أو المرافق الرياضية، ناهيك عن انعدام شبه كلي للمرافق الثقافية.
وأضاف الفاعل الجمعوي أنه منذ انتخاب المجلس الجماعي لمقاطعة اسباتة، وهو يعتمد مقاربة شكلية باسم المشاركة والتشاركية، إذ أن أغلبية الجمعيات لا تطلع على المبالغ المرصودة لعدد من المشاريع. “فرغم اللقاءات المعدودة على رؤوس الأصابع التي عقدها رئيس المقاطعة مع جمعيات المجتمع المدني وتعهده باعتماد الشفافية والتشاركية في التعامل مع جمعيات مقاطعة اسباتة، رغم كل هذا مازال هناك حيف تتعرض له بعض الجمعيات، خاصة تلك التي تغرد خارج سرب الأغلبية المسيرة للمقاطعة”.
وأشار الفاعل إلى غياب معارضة حقيقية تضطلع بدورها في المراقبة والتوجيه، مؤكدا أن المجلس الحالي اسباتة لم يقم بأي عمل من أجل النهوض بالمقاطعة، فمنذ انتخابه الرئيس، وهو يتخبط في مجموعة من الصراعات الداخلية التي تزيد من تأزيم وضعية المجلس، من تباعد وجهات النظر بين كل المستشارين.
من جانبه، قال خالد العروسي، فاعل جمعوي، إن الرئيس الحقيقي للمقاطعة هو الذي يزاول مهام التسيير بمعية عضو ينتمي للعدالة والتنمية، بينما يقضي الرئيس المنتخب ساعاته بمكتب مدير المصالح.
وأوضح العروسي أن ثلاث سنوات من التسيير مرت دون حصيلة فعلية، خارج “النشاط والحفلات”، وقال إن المجلس لم ينجح في دورتين في تحويل مرور الطرامواي من شارع إدريس الحارثي إلى شارع مقداد الحريزي. “والغريب، حسبه، أن العدالة والتنمية، الذي يسير جماعة البيضاء، أصر على مرور الطرامواي من شارع إدريس الحارثي رغم معارضته من قبل مقاطعة اسباتة”!!
وأكد العروسي أن عددا من المشاكل القديمة مازالت تعشش في المقاطعة، مثل انقطاعات الكهرباء وانتشار الأزبال والأتربة بمنطقة حي الهدى السالمية 1 والسالمية2، ثم الباعة المتجولين ووجود أسواق دون مراقبة وانتشار محلات بائعي الدجاج التي تزكم رائحتها الأنوف، ناهيك عن الأفرنة القديمة.
ويمر قطاع الرياضة من وضع مزر، من حيث قلة ملاعب كرة القدم، “كما أن الأشغال متوقفة منذ ست سنوات بالملعب الوحيد المؤهل لممارسة اللعبة بشكل احترافي وأصبح كالأطلال وملجأ لذوي السوابق والمتشردين”.
إعداد: يوسف الساكت